بدأت أهمية دول الخليج، ولا سيما السعودية، والإمارات، وقطر، في شؤون دول القرن الأفريقي تتزايد منذ عام 2015 تقريبًأ. كما عززت تركيا من وجودها في المنطقة منذ أن اتخذت خيارًا سياسيًا قبل ما يقرب من عقدين بـ”الانفتاح على إفريقيا”. لم تكن منطقة القرن الأفريقي على رأس أولويات السياسة الخارجية لدول الخليج أو تركيا، لكن قربها الجغرافي جعل منها اهتمامًا ثابتًا، لا سيما من منظور الأمن (البحري). يدخل القرن الأفريقي ضمن الاستراتيجية الأوسع، ولا سيما فيما يتعلق بالاستثمار في الأمن الغذائي على المدى الطويل، والتصدي لنفوذ إيران، وتطوير القطاعات الإنسانية والإنمائية. لقد خلق موقف الولايات المتحدة غير المتسق في الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي، المجال – وربما حتى الضرورة – لمثل هذه القوى الوسطى لتأكيد نفوذها في منطقة البحر الأحمر الأوسع.
تستفيد اقتصادات دول الخليج من الاستثمارات الاستراتيجية طويلة الأجل في مجالات الأغذية، والزراعة، والطاقة، والعقارات الأفريقية. وكانت النتيجة أن استهدفت الرياض وأبو ظبي دولتي إثيوبيا والسودان – وكلاهما يتمتع بإمكانيات كبيرة في مجالات الطاقة والزراعة – بأكبر قدر من الاستثمار تشهده المنطقة، كما أن الموقع الاستراتيجي لموانئ جيبوتي جعلها أيضًا هدفًا للاستثمار الخليجي، ولا سيما دولة الإمارات. باعتبارها الدولة الأكثر كثافة سكانية في المنطقة، والثانية ترتيبا في إفريقيا، لدى إثيوبيا سوق استهلاكي كبير تحرص دول مجلس التعاون الخليجي على استغلاله. إن ملف الاستثمار القطري (الأكثر محدودية) له جذور أعمق في السودان، على الرغم من تعطل هذه العلاقات بسبب ثورة 2019. وفي حين تمثل إثيوبيا أولوية متزايدة لقطر، إلا أن نهجها الاستثماري لا يزال في مرحلة مبكرة وتجريبية.
بالنسبة لبلدان القرن الأفريقي – بشكل أساسي الصومال، وإثيوبيا، والسودان، وإريتريا – فإن الانخراط المتزايد لهذه القوى الأكثر قوة ثراءً في اقتصاداتها وعلاقاتها الخارجية قد أتاحت فرصًا، وإن لم تكن خالية من بعض المخاطر. من الواضح أن العلاقات غير متكافئة أو غير متوازنة في طبيعتها. في حين أن دول القرن الأفريقي فقيرة نسبيًا، ومُتقلبة سياسيًا، ومحتقنة بالصراعات، فإن شركائها عبر البحر الأحمر أثرياء نسبيًا، وأكثر استقرارًا سياسيًا، ويعملون بشكل متزايد على تأكيد وجودهم كقوى وسطى فاعلة. الأمر الذي جعل دول الخليج وتركيا من أهم اللاعبين الخارجيين في السوق السياسية التنافسية للقرن الأفريقي، على الرغم من عدم وجود خطة فردية أو جماعية واضحة لتحقيق ذلك.